مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب روائع بقلم محمد الزهراوي ابو نوفل


الْحَمامَة
إلى قانا حتّى..
لا ننسى !
تزورُني الْحَمامَةُ..
وَفي النّوْم تَحْتلّ عيْنيّ.
ما زال حُبّي لَها مَطَراً
وَبِالْقارِ طَلَوْا..
نَهْدَها الْمُحْتَشِمَ.
بَيْني وبَيْنها..
آلافُ الْجنازِرِ آلاف
الفَراشاتِ الْمُمزّقةِ..
نوافيرُ دَمٍ وحَناجِرُ
مَلْغومَةٌ بالسّلاسِلِ
وَالأحْجار..
كَعَويل ريحٍ بُحَّ
صُراخُها الطّفْلُ
في غُرْبةٍ..
لِعِطْرِها في
حَياتي الأسْبَقِيّةُ.
أنا قانا تَهُزّني ..
أجْراسُ قانا وَهِيَ
في الْمَوانئِ.
أنا مَنْ أنا يا تُرى
في الوُجودِ وَفي
مُدُنِ الْمِلْحِ مِنْ
لَحْمِ قانا ؟!
أنا ضفائِرُها الْمَحْروقةُ.
كُلّنا مَعْنِيّونَ..
كان ثَمَةَ أطْفالٌ
لَنا في الْغارَةِ.
هذِه الْمومِسُ
الْخَفِرَةُ لا تَكِلُ
جَسَدها العَسْكرِيّينَ
فالْحِقدُ كانَ أظرى
وَإلَى الآن..
يَفوحُ شُواؤُها
الْمَعْجونُ في جِراحي!
هذه قَصيدَتي الْمُحَطّمةُ.
إلى اَلآن أرى
في حَقْوِها بَعضَ
كِبْرِياءٍ تَحْتَ
ضوْءِ القَنابِلِ.
رغْمَ هُزالِ
الجِذْعِ دَمُها سَرْبَلَ
بالأحْمر الْحُقولَ.
حتّى لا تَطيرَ
الْحمامَةُ حَدَثَ
هذا بِمُواطَأةِ تِمْثالِ
الْحُرّيةِ وتَحْتَ أعْيُنِ
الْجرْنيكا الّتي..
كانَت هُناكَ مُعَلّقةً.
كثيراً ما خَذَلْنا..
مرْمَرَها الأعْزلَ.
وَلأِنّها الأنْقى حتّى
اللّهُ اقْتَرَفَ مَعَها في
الْجَحيمِ الْخَطيئةَ.
كَمْ هُوَ حَزينٌ في
القصَبِ ..
وَطَنُها الْمَنْزوفُ.
كَم هوَ حارٌّ..
هذا الْمَشْهَدُ مِنْ
(عناقيدِ الغَضبِ)
الْحامِضِ في ..
قانا تَحْت نَحيبِ
الصّوامِع وَالأجْراس.
مِن هذهِ الكُوَةِ
أُطِلُّ عَلى قانا..
فيُبْهِرُني الكُحْل.
مِن هُنا أجوسُ
ألَقَها الرّحْبَ.
وَتِلْكَ يَدُها أسْفلَ
الْجيدِ تتَلَمّسُ عَقيقَها
الْمَوْصوفَ في
أسْواقِ تونِسَ .
عَزَلوها بالسّنْطِ عَنّي
أرْهقَني الوَميضُ ..
تَرْتَدي شالَ حَريرٍ
مُخَرّماً مِن سورِيّةَ.
وَكأيِّلَةِ الْخَلاءِ..
تبْزغُ في فَراغٍ.
ها هِي تُولَد في
بَرِّيَّةِ روحي كَشَمْس.
امْتَدحَتْ كُلُّ الفُنونِ
وَقْفتَها الشُّجاعَةَ.
إنّه لَفَخارٌ لِي أنْ
أتَقَصّى زُمُرُّدَها
الأصيلَ كَمَغيبٍ.
قانا هذهِ مَرْثاتُنا في
العَواصِمِ بِعِدّةِ لُغاتٍ.
لَها في كُلّ المحَطّاتِ
وَجْهُ بِينيلوب.
وَبعَيْنَيْ زَرْقاء تُطِلُّ
نَهاراً كَمَنارَةٍ..
تَرى ما توعَدونَ ؟

2
العارِيَةُ..
تَنْزِلُ البُرْج
غُصْنٌ فارِِعٌ..
كُلُّ مَنْ يَراها 
في الْمُطْلَقِ..
يَتَرَنّحُ وَيَهْتاجُ.
جِهَةٌ هِيَ تَحُجُّ
إليْها النّوارِسُ.
آهٍ عَليْها مِنّي
تَهْزُمُ ..
جَدائِلُها الرّيحَ
وَلا يتَجاسَرُ
عليْها الْمُلوكُ.
مَجْبولةٌ مِنْ
شِفاهِ الْحَجَرِ
وَمِنَ الماءِ وَالنارِ
ما هذا الكائِنُ
المسْكونُ بِالغُرْبَةِ؟
لَمّا لَمْ يَكُنْ لِيَ..
مَكانٌ أمْشي إليْه
سِرْتُ خطواتٍ.
وَكعادَتي كُلّ
يَومٍ أمامَ ساعَةِ
الْمَيْدانِ بَدَلَ أنْ
أسْمَع الموسيقى..
رَأيْتُ ما لا يُرى.
رَأيْتُ العارِيَةَ
تَنْزِلُ البُرْجَ..
واثِقَةً بِوُجودِها
مِثلَ كوْكَبٍ.
وَأذْهَلَني فضاءُ ما
حَوْلَ سُرَّتِها الغامِضُ
الّذي بَدا بِلَوْنِ الرُّؤى
وَالقَدَمُ الحافِيَةُ..
تَحْمِلُ خلْخالَ أنْدَلُسٍ.
وَيَنْقُصُها ما
عَدا خطْوِها الْمُقَفّى
فقَطّ..رِداؤُها
الملَكِيّ وَعِقْدُ لؤْلُؤٍ
حوْل الرّقَبَة.
وَتِلكَ كانَتْ
وَبِلا مَشَقّةٍ..
لا مُغامَرتُنا بَلْ
مُغامَرَتُها هِيَ.
بَعْضُهُمْ تَغاضى
وَبَعْضُهُم كانَ
أكْثَرَ فسْقاً..
وَالبَعْضُ تنَحّى عَنْ
حَوافِ الطّرُقِ
لَرُبّما حتّى تمُرّ.
وَرغْمَ ذلِك لَمْ
يتَغيَّرْ شَيْء..
إذْ ظلّ تعْذيبُها
لنا مُسْتَمِراً.
ألا كمْ كانَ..
خَجَلُها مِنّا فاحِشاً
مثْل امْرَأةٍ أثْناءَ
ذُرْوَتِها مَعَ
قَرامِطَةٍ في كِتابِ
الْمَطَرِ والعُشْب.
أنا مُضْنىً إلى قَدَحٍ
وَانْكِساراتِ الْخُزامى.
ها قدِ اكْتشَفْتُ
هُنا صِبايَ..
الأفْجارَ الثّمِلَةَ
وَالْخَواصِرَ الْمَوْعودَة.
هذهِ امْرَأةُ فُرْسانٍ
وَهِيَ الأيائِلُ أيْضاً
وَحالَةُ سُكْرٍ مُسْتَمِرّة.
عَليْها تحْلُمُ أنْ
تحُطّ طُيورُ
الْبَرِّ وَالبَحْرِ وَأنا
أتَبَعْثرُ مَعَها في
الغَسَق وَالرّوْضُ
يَفوحُ مِنْها عَليَّ.
أحَلّتْ هُنا مِنْ ما
وَراءَ الْخُلود ..
لفَظَتْها سَبْعةُ أبْحُرٍ؟
جاءَ بِها نَهْرُ
هِرَقْليطَ أمْ خَرَجَتْ
مَنَ الغابَةِ كوْثراً ؟!
عَدا اليَدَيْنِ
السّاتِرَتَيْنِ ما
يَشِفّ عَنْ كنْز..
وَكَرْمِ الذّهَبِ وَالفِضّةِ
وَعَدا مَجْرى نَهْرِ
الفَيْروزِ وَالسّاحِلِ
وَطَرائدِ الظِّلال
وَالياقوتِ وَالطّينِ
يَلُفُّها حَفيفُ صَمْتٍ
أخْضرَ وَأذرُعُ
النّهارِ الْخَفِيّةُ..
وَكُلّ أوْصافِها
تفاصيلُ أغْنِية.
فَالكَمالُ هُنا..
لا يَكْمُنُ فقَطّ في
الوَراءِ بلْ هُوَ الّذي
أيضاً أمامي هُنا !
هذهِ هِيَ الْمُعاناةُ
أَهِيَ سِيرينا..
اصْطادَها صَياّدونَ
مِنَ الْمُحيط تنْتَظِرُ
حتّى ياتِيَها البَحْر؟
آهٍ لوْ يُمْكِننُي..
أنْ أُكَلِّمَها ؟!
وَآهٍ مِنَ السّعيرِ
وَجُنونِ العُيونِ.
مِنْ بَياضِها نَسَبي
وَالكُلّ أسيرُ
سِحْر ِهذهِ السّاحِرَة.
تَقولُ لسْتُ أنا
ليْلى أوْ حورِيَةُ الْحُلولِ.
وَأنا أشُمُّ لها العِطرَ
الجُنوبِيّ وَريحَ الشّرق.
فَهذهِ الغانِيةُ كَالوَطنِ
الْمُمْتدِّ مِنَ البَحْر إلى
البَحْرِ بِطبْعِها مُسْتَبِدّة.
أُنْظُروا جِنانَ أبي
نُؤاسٍ تتَدافَعُ
في الْمَجْهولِ..
وَكَما يَقولُ ديكُ
الجنِّ تَضْحَكُ
مِنْ أرْدافِها !
ألا قُلْ لَها يا
نَدى الصّباحِ..
قُلْ لَها إنّيَ
أقْرَأُ الرّوْضَ العاطِرَ
وَأُفيقُ مَع الطّيْرِ
عَلى بَسَماتِها.
في سُهوبِها أقْضي
الليْلَ مَع نُدامايَ
أكْرَعُها كأْساً
إثْرَ كَأْس..
وَليَ القَميصُ
الْمَقْدودُ مِنْ وَراءٍ
حَتّى يَاتِيَ السّلْطانُ
بِنَفْسهِ وَيَرى

3
الْحُلْم ..
إلى مُهْرَة القَلب
آهٍ أيُّها
الْحُلمُ البَعيدُ
مِنّي ..
يا أنْت !
أيُّها الآتِي .
لَمْ يبْق أحَدٌ
يَرانِي ..
يسْألُ عنْك .
أو يتَذكّرُ
كيْفَ كُنّا
نصْهَلُ ..
صَهيلَنا البَحرِيّ .
لَمْ يبْقَ
حَجَرٌ بَيْنَنا
لَمْ أتعَثّرْ
بِهِ كَإلهٍ..
وُحوشٌ آدَمِيّةٌ
لا تُرى بِالعَيْنِ
أكْثرَ رَهْبَةً..
مِنَ الإرْهاب .
حاجِزٌ إيدْيولوجِي
لَمْ أقِفْ عِنْدَهُ
مقْطَعٌ شِعْرِيٌّ
لَمْ أقِفْ بِهِ ..
أوْ مِدْفعُ حرْبٍ !
تتَوَهّجُ ..
جَميلَ الْمُحَيّا .
الطّريقُ طَويل
وَتتَمايَلُ أيُّها
العَنيدُ فِيّ ..
وَفي النّسيمِ .
ألْحَقُكَ ..
حتّى آخِرِ
الشّمْسِ ياشُعاعاً .
وَلَيْسَ
الطّريقُ سهْلاً ..
ألْحقُكَ كَطِفْلٍ
بِقَميصٍ مَقْدودٍ
مِنْ دُبُرٍ ..
أوْ كَيوسُفَ
فِي الْمحَطّاتِ .
فِيَّ شيءٌ
مِنْكَ وَبي
رائِحَةُ الْخُيولِ .
لا ..لنْ
أعْرِفَ الرّاحةَ .
تشُدُّنِي اللّوْعَةُ
مَأْخوذاً ..
بِتَلابيبِ النّجومِ
وعُرْيِ ..
إقْبالِكَ الغَبَشِيِّ .
كمْ أوَدُّ ..
أنْ أراكَ
تنْحدِرُ لامُبالِياً
كالْمَراكِبِ ..
بِأعْتى الأنْهارِ .
أنا سَألْحَقُ
بِكَ حتّى إيثاكا
أوْ سومرَ !
وَلكِنْ ..
ما حيلَتي إذا
ليْلُ الإرْهابِ
العالَمِيِّ عَلَيَّ ..
أرْخى سُدولَهُ .
إنْ خَذَلَتْنِي
رَمْيَةُ نرْدٍ ..
أدْرَكَنِي
طائِرُ الأجَلِ
وَتَعِبَتْ بِيَ
إلى (بَغْدانَ) ..
حيْثُ حُبّي
ومُهْرَةُ القَلْب .
كَمْ عاقَرْتُكَ ..
كَمْ فتّشْتُ عنْكَ
في الكَلِماتِ
وبَحثْتُ عنْكَ
في سراديبِ
المكْتَباتِ ..
وَأدْمَنْتُك تَغيبُ
فِي الرّيحِ ..
تبْتَعِدُ دائِماً !
أنا الآنَ لنْ
أكُفّ عَنِ
الغِناءِ بِكَ ..
كسَكْرانٍ كوْنِي
بِالْقُبَلِ وَالأمَل ..
وَالحُبِّ والسّلام .
أصْعدُ إلَيْكَ ..
قِمَمَ الجبال !
أنْتَظِرُكَ دائِماً
فِي المَحَطّاتِ..
وَأتكَلّمُ عنْكَ أكْثَرَ
وَأكْثرَ في
حاناتِ الشّراب .
وَأراكَ في
كُلِّ الْمرافِئِ
تقْرَأُ سِفْرَ انْتِمائِيَ
الأُمَمِيِّ أيُّها
أيُّها الإلهُ
الحَرونُ فِي
مِعْطَفِكَ الشّتْوي

4
أوديسيوس
هذا أنا..
إنّهُ أوديسيوس
وهوَ قادِمٌ يطْرُدُ
عنْ بابكِ هؤُلاء
المُتطفِّلين الغُزاة !
مُقْبِلُ إلَيْكِ..عبْرَ
الطّريق إلى إيثاكا
جذّاباً كَسَرْوَةٍ..
كما ترى الزّرْقاءُ.
يأتي أكْثرَ وُعوداً
أبْهى مِنْ سيقان
النِّساءِ ويُهْدي
لِعُرْسِكِ قُرْطُبَة !
قادِمٌ مِثْلَ مَطَرٍ..
ياتـِي وظِلُّهُ سَيِّدٌ.
ياتـيك فوْق جوادِ
اللّهْفَةِ ووَجْههُ
أجْملُ مِن فتى
الأُسْطورَةِ فِـي
كوْكَبَةِ خُيولٍ بيض!
إنّهُ عاشِقُكِ الكوْنِـيُّ..
الجَنوبِيّ الخجول!
ويشْتَهيكِ في مدى
الوطَنِ حيْثُ يُقاسِمَكِ
الوجعَ ويُضاجِعكِ ..
دونَ سريرٍ في..
غابَةِ ياسَمين !!
حيْثُ لا يمَلُّكِ ..لنْ
يغادِر الوطَن ثانِيَةً
وعنْكِ لا يرْحَل!

5
من..
نشيد الأنشاد
-- قالت :
رُبّما تُسَتِّفُ ذاكِرَةَ الحَقائِب...
شامِخٌ كعادَتِك !
ـــ صاحبَة / ذاكِرَة الحقائِب
-- وقال :
إنّها أنتِ..
ألسْتِ نشيدَ
أنْشادي ؟
وَما أنا إلا..
حمال حقائِبكِ
على ظهْري..
أمشي بكِ وأنتِ
تاجٌ على رأسي
في هذا الزِّحام..
عسى أنْ نعْثُرَ
على مكان آمْن ؟
يليق بنا ونقْتَرِفُ
به ما يطيبُ
لنا مِن جميلِ
الأوْهام ونرى
ما لمْ يخْطرْ..
لإنْسٍ وَلا جِنّ في
عِزِّ النهار مِن ما
تفْعَلين َبي..
وكأنّا نَعيش
عُرْسَ الاحْلامِ
فَ آ هٍ..
لي مِنكِ يا أنْتِ .
كيْف أنْتَقِمُ..
لِيَ مِنكِ وأرُدّ
الاعتِبار لي ولِكُلِّ
نِساءِ مدينتي
مِنْكِ ؟ !..
مِنْ فُُحْشِ الغِيابِ
ومِن بُخْلِ هذا
الزّمانِ الغَبِيّ ؟

6

شَمْسُ يَثْرِب
مَنْ يُطْفِئُ
مِصْباحَ الْقَمَرِ
أوْ يوقِضُ..
شَمْسَ يَثْرِبَ
مِنَ الأحْلامِ؟
يَبْدو وَجْهُها
النّاطِقُ بِالخجَلِ
بَعيداً فِي الْمَدينَةِ
بَعيداً كَأثَرٍ!..
إذْ كُنّا
شَخْصاً واحِداً
وَكُنّا نَسْتَدْفِئُ
ناراً إذْ كانَ
لَنا الْبرْدُ نَفْسُهُ.
كُنّا نَرْتَجِفُ مَعاً
وَمِنَ الْحُمّى
حَتّى النِّهايَةِ كُنا
نَهْذي مَعاً..
كبَحْرٍ عَظيم.
كُنّا نَعْشَقُ دونَ
أنْ نُدْرِكَ..
مَنْ نَحْنُ أو
ما نَكونُ..
كُنّا اثْنَيْنِ
فِي واحِدٍ.
وإذا حَدَثَ
وقَبّلْتُها كُنْتُ
أُقَبِّلُ نَفْسي وَكُنّا
نَخْشى الْفِراقَ
فَتَكْبُرَ الْفاجِعَة!
كُنّا انْدِفاعاتِ
أنْهُرٍ فِي بِحارٍ
نائِيّةٍ لَها غَضَبُ
إعْصارٍ مَجْنون..
كُنّا نَجْمَةً وهّاجَةً
تُضيءُ اللّيْلَ..
وَسطَ ضَبابٍ.
نَجْمَةً مَليئَةً
بِالرُّعودِ وَالبُروقِ.
كُنّا نَنامُ فِي
الْمَنْافي..
شَفَةً عَلى شَفَةٍ
وَنُغَنّي عَرايا
شَهَواتِنا الكَوْنِيّةَ.
فَياما امْتَزَجْنا مَعاً
قِياماً وَقُعوداَ..
حَثّى الْفَجْر.
وَكُنّا كَالنّارِ
نَأْكُلُ بَعْضنا
احْتِفاءً بِالْحَياةِ.
ما أكْثَرَ ما
أحْبَبْتُها كُنْتُ
كُلّ لَيْلَةٍ أُعِدُّ لَها
سَريرَ نُجومٍ..
ما زالَتْ فِيّ
سادِرَةً كَروحٍ
نَبَوِيّةٍ دونَ
أنْ أدْري!؟
وَأذْكُرُ كُنّا
مَلِكَةً وَمَلِكاً..
كانَتْ دامِثَةً
كَالنّبيذِ وَلا
تَحْلُمُ إلاّ..
بِيَ أنا حَتىّ لا
تَنْتَهِيَ الْقَصيدَةُ
فَيَعُمّ الظّلامُ
تَموتُ الزُّهزرُ
شَجَرَةُ السِّنْديانِ
وتَنْهَض ..
بَيْنَنا الْجُدْران.
كانَتْ لا ..
تطْلبُ شيْئاً إلّا
أنْ أكونَ مُخْلِصاً
لها في الحُبِّ
ثُمّ لِلْعِلْم..
والفنّ وَالآدابِ
وَأنْ لا أكونَ غيْر
شاعِرِها أيْضاً.
كانَتْ هذه
المَبادِئُ وَنَحْنُ
ننْظُرُ إلى الآتي
هِيَ دينُنا
الحَنيفُ الأعْظَم.

7

امرأة..
بمدى البحر
يدَّعيكِ
الجرْح ٌيا أنا..
ومِنْكِ في
نَفْسي كل الجمال
الذي أحلم به
كوَطَنٍ بعيد..
بهِ حُرِّيّتي
وامْرَأتي أنتِ..
بمدى البحر !
مَنْذوران لِلحُبِّ
والسّلام هارِباً
مِنْ مُدُنٍ نحْلُمُ
فيها بِلا جدْوى
إِمّا مَع الدّمِ أو..
الليْلِ واليَأْسِ
بِحُروبِه العبَثِيّةِ..
باحِثاً عَن َأُخْرى
ترْضَعُ مِن نورِ
الفَجْر وتَنامُ في
عُرِْيِ الشّمس.
هذا أنا أيّتُها
الورْدَةُ التي..
يذهلني مَرْآكِ
أتَخبّطُ في
الطّريقِ إلى
ظِلِّكِ كَعاشِقٍ
بِلا وَطَنٍ ؟..
حيْثُُ أُُوَسِّدُ
رُكْبتَكِ الفَجْرِيّةَ
حاسِرَةَ النّهْدَيْن..
متفردة البهاء.
إذْ أنْتِ خبْزُ
مَنْفايَ وَأنا لا
أشبَعُ مِنكِ حتّّى
أْنالَ مِن وَحْشَةِ
عيْنَيكِ لِذلك أسْعى
إلى الوُصولِ..
وَأُنْهِيَ مَأْساةَ
عطَشي فَأَنا
لمْ يَعُدْ لِيَ
على الطَّريقِ
جسَدٌ غيْر هذا
التّعَبِ وَلقَدْ..
أضناني الحَنينُ
أْرّقَني الشّوْقُ
إليْها يا عاذِلي..
وأنْهَكَني البُعد.
الطريق اليها..
كما إلى ايثاكا
منها لا مفر..
وما بانَتْ سُعادُ.
لوْ أنِّي عرَفْتُ
الدّارَ ما كنْتُ
بَدَأْتُ أوْ أنِيَ
أشْقى بكِ على
الأرْصِفَةِ وَأُعاني
في غُرْبَتي مِن
هذا التَّوَهُّمِ..
أتَضَوّرُ جوعاً
حتّّى أراكِ يا..
وَطَناً وإنْ
في الحُلْمِ أو..
كسُبْحَة ِصوفِيٍّ
في يَدي..
وَلاَغْتَنيْتُ بكِ يا
غيْداءَ الكَشْحِ..
فاتِنَة القَوامِ
بِرَشاقَةِ الهة الحب
وَحَسْناءَ الوَقْتِ.
هذا أنا أُغَنّي..
وَباقٍ على الطّريقِ
معَ رَكْبِ الهَوى..
لأِخْطُبَ ودَُكِ
ساحِرَةَ العُشّاقِ.
لأنّّكِ صَهيلي..
ِإلى أنْ يَرْحلَ
هذا الليْلُ مِن
جُرْحِ عُمْري..
وَذلِك على الأَقَلِّ
كما أعْتَقِدُ أيّتُها
الغامِضَةُ التي
لا تَجيءُ ؟..
كأنْدَلُسِ الغِياب.
عِنَئِذٍ أقولُ هذهِ
أُغْنِيَتي الكَوْنِيّةُ
رُدّتْ إلَيّ..
مع الروح

8
كِتاب الغَريبة
أراها مِثلَمَا
اعْتدْتُ..
تَتبَذّلُ في تَرَفٍ
هَلْ أجْرُؤُ؟
أ أَغْرَقُ حتّى
رُكْبَتيّ في
هذا الكحْل ِ؟
أ أَمُدّ يَدي..
إلى الْعِفّـةِ ؟
أُهْدي
لِخَصْرِها شَطَحاتي
هِيَ ما تَحْتَ
الرّمادِ وَراءَ الأفقِ
وأنا الْهُدْهُدُ
أمْضي في
ريحِها إلى ما
لَسْتُ أدري.
توَّاقٌ إلى
الانْعِتاقِ مَع
الطّيْرِ مِنْها ..
و لكنْ إلى أيْن ؟
كأنّما أنا بِها
في غياباتِ
الْجُبِّ في
نَهاراتِها الأُخْرى
أو دَفينُ أرْدافِها.
كمْ هاجَرْتُ عَبْرَ
الأقاصي إلى هذهِ
الوَحْشةِ طَويلا! ؟
لَها عَليَّ في
الرُّؤْيَةِ سُلْطةُ الليْل
هذهِ مورِسْكِيّةٌ
مِنْ أنْدَلُسٍ ..
جَسَدٌ طافِحٌ بِأنْبِذَةٍ
تَغُصّ بِالرّبيعِ و الأنْهُرِ
لا تَعْرِفُ الْجَهْلَ ..
ولا تَسْتطيعهُ.
فنَحّوا عنْكمْ حُزْنَكمْ
هاهِيَ سِراجُ فِتْنَةٍ..
لا تَسْكنُ الدّيارَ
ولا تأكُلُ الثِّمارَ.
لِمرْآها
تَهْتزّ الْمُحيطاتُ
أسْمَعُ لَها الْهَديرَ ..
أهِيَ نُسْخَةُ
بُرْكانٍ مُنَقَّحَةٌ أمْ
سَنْفونِيَةٌ
يَعْزِفُها باخ ..
أمْ نَيْزَكٌ سَقطَ ؟
ها أنا وَإياها
نَقْضي الليْلَ سافِرَيْنِ.
كُحِّلَتْ عَيْني
عَمىً إنْ رَأتْ
عيْنٌ مِثْلَها
كمْ تُحاصِرُني ! ؟
بِلا عَدَدٍ سَكِرْتُ
مَعَ عَرائِها
السّاطِعِ في
الطُّرُقاتِ بِلا صَهْباءٍ
لَها أسْرارُها الْحبْلى
ولي أسْرارٌ
مَعَ الأميرَةِ.
سيِّدَةٌ مِن آلِ بَني
الأحْمَرِ ..
مِنْ غَرْناطَةَ.
بِأنْفاسِها
يَعْبقُ الثّرى
كَمْ باغَتَني النّهارُ
بِمِحْرابِها وَحيداً
لَوْلاها ما
كُنْتُ أحْلمُ .
كَالصّدّى تَسيرُ..
تُبْحِرُ بي الأغْنِية
بِبَهائِها
تُضيءُ مَتاهاتي
قَديـماً أعْلنتُها
لـي وَطناً
صَلِّ لَها ..
في كُلٍّ لَها شَكْلُ
فَصَلِّ يا الشّارِدُ.
تِلْكَ هِيَ
اَلكَيْنونَةُ ..
اَلتّكْوينُ الآخرُ
تَجَلّتْ فيهِ
صِفاتُ العِشْق
قال قائِلٌ ..
رغْمَ هُزالِها
فالشّكْلُ ناعِمٌ
قُلتُ وَهِيَ الدّواءُ
لي مِنَ الأدْواءِ.
وَ قالَ ..
تَمُدُّ لي كأْساً بارِدَة
وَ قُلْتُ..
هِيَ تَقْتلُ! ؟
فتَعالَ يا الشّارِدُ
وَاتْلُ مَعي
كِتابَ الْغَريبَةِ.
أنا غَرَقْتُ في
هَوى بَحْرِهَا
فقالَ ..
تبارَكَ السِّحْرُ
وَهذا الْجَلالُ
قُلْتُ
وَأنا الْمُصابُ ..
أرَقْتُ كؤوساً
وَ كُؤوساً مِنَ
الْكُفْر عَلى نَحْرِها
وَحْدي أتْلو ما
أوحِيَ عَن بَهائِها
الْكُلِّيِّ إليَّ ..
رَأيْتُها قَوْسَ
قُزَحٍ بِالأمْس
وَما تَظْهرُ أوْ
تتَضاحَكُ ..
إلا لِقَرامِطَةٍ.
وَ لَوْ ظَهَرَتْ لِلْكُلِّ ..
لَضاقَتْ بي
وَ بِها السُّبلُ.
وَ قَرَأتُها في
كُلِّ اللُّغاتِ ..
في سِفْرِ الرّؤْيا
وَ في قُرْآنِ مُحمّدٍ
هِيَ في اللّوْحَةِ
طَقْسٌ مُشْمِسٌ
وَعِنْدَ قَدَمَيْها ..
أشْلاءً يَرْتَمي البَحْر
هُنالِكَ إياها
في بَرْزَخٍ ..
هِيَ الْكَيُّ بِالنّارِ
مَنْ ذا لَمْ
يَصِرْ بِها صَبّاً..
وَليْسَ لَها أهْلُ ! ؟

9

المَعْدن
مِن ذلِك
المنْفى السِّرّي
في وحْدَتي..
أُحَدِّق في شَجَنٍ
وَأمُدّ أصابِعي .
تِلْكَ تُيوسُ الْماءِ
تتَقَدّمُ صوبي
لَها وهَجُ التّحَوُّلِ.
لها غَضَبٌ
يُهَرْوِلُ في برْدِ
ناري سَعيراً..
تَمُدُّ جِسْراً أو
تشُقّ القناة !
غَنّوا حُفاةَ
السُّفوحِ لِعَرَباتي .
بي شَبَقٌ لأُضاجِعَ
أخْضَرَكِ النّهارِيَ
ذاتَ فجْرٍ في
واحَةٍ ما..وإنْ
في الْحُلمِ ..
وحافِزٌ مِنْ فُحولَة.
وَلَوْ أنِّيَ مُثْخَن
والْجُسورُ ضِدّي
يَحُثّني الْهَديرُ !
ويُرَفْرِفُ الجَناح
كيْ يفْقِسَ بيْضكِ
الّذي هوَ خُلاصَة
ما اقْترَفْتُ بكِ
مِن حُبّ خِلال..
عمْرِيَ القَصيرِ!
ظِلٌّ مَديدٌ أحَدّثُ
الأهْلَ عَنْ سِيرَتِهِ..
لا شَيْء سِواه.
بَياضٌ في حُقولي
وَغَمامٌ يُسَيْطِرُ..
هُوَ الهدْمُ ..على
الطّريق إلى إيثاكا
في رحيلِيَ الطّويل..
ولِمَعْدنِهِ في أرقي
سطْوَةُ الْعُذوبَة.
وَلا مَطَرٌ إنْ
لَمْ يُشْفَ قرْحُكِ
أنا ألْهَثُ..وأتَمْتِمُ
كنَبِيٍّ قديمٍ..
بِصلَواني المبْهمَة!
لأقْرَأَ صَحائِفَكِ
عَن الآتي كَوابِلٍ
عَلى هَيْئَةِ طَيْر.
أحْلُمُ بِإعْصارٍ معَ
َ النُّدامى لِألْقاكِ
في ساحَةِ الأيام
بِاليَنابيعِ والوُعول
والرّقصِ والْموسيقى.
كُفَّ ياحَديدُ زُرودَكَ
عنَ خِراف الْحِبْرِ..
إذْ مِن الْهَوْلِ
صَدأُ الْحَديد..
وأنتَ يا نُحاسُ
يَجْرُفُني مِلْحُكَ.
كُنْ شُجوني ..
في انْتِظارِ العيد
إلقَتيلِ حتّى يَرِد
إلى مَدينَتي حيْث
الأهْلُ عبيدٌ أسْرى
وكُلّ قابيلٍ فيها
يشْحَذُ سكّينَه!
لا يتورّع وإن هِيَ
في أتون حرْب
فأنا انْعِكاسُكَ
الْجِنْسيّ ..إيقاعُ
طبَقاتِكَ الْعُلْيا..
الْمَجْنون الذي
رَأى..وأنْتَظٍرُ فيها
على العتبَة الصّباح
الذي يُقْبِل ظاحِكاً
كغَديرٍ بِوَجْه امّي.
فطاوِعني لِأطْردَ
مِن حاناتِها..
خفافيشَ اللّيْل
لِأُزيح عنْ وجْهِها
الظّلام الدّامِس..
فأراها فِردَوْساً
يفْتَح إليّ بابَه
وأجْلبُ لَها الفرَحَ
مَع المخْتارينَ
مِـن العُشّاق..
بِفَصيح شِعْري!
أدّخِر لها سنابِل
كيوسف خوْف
الحاجَة أو ..
خشيَة الإملاقِ
وأتَباها بِنُقوشِكَ
في سُطوعِها
المَوْصوفِ الذي
يغْمرُ العالَم..
وعُرْسِها الْمَحْبوب.

10
نور..
على نور
كونك في
حياتي كأم
الكتاب نور
على نور..
مع الحيارى
أسألُكِ..
أيُّ نأيٍ وأى
برْقٍ تقيمين في
فيه الآن سيدة
المحن والحقائب
المليئة بالأحزان.
أطْلقْتُ خُيولَ
دَمي وَأشْرعْتُ
جَسَدي أرْكُضُ
دونَما طُرُقٍ خلف
الأهٍدابِ السود
والشفاه الياقوتِ.
ألْمَحُ وَراء الأفقِ
جِذْعَكِ المُسرْبَلَ
بِالجَمال الفَذِّ
والْوَريف جِدّاً.
أعْرِفُكِ دونَ وَشْمٍ
ودونَ شَمٍّ أو لَمْس.
لأنّني أعْرِف مَن
صاغَكِ ليْلَكاً..
جبَلَكِ مِن زعتر
وَشيحٍ كَأن الاله
نفْسَه فعَل بك
هذا رافِعاً سُمُوّكِ..
نورا على نور !
ليتباهى بك في
قحط هذا الكون
أمام الملأ..
هكذا أنْتِ في
خاطري يا الـ..
بَدَوِيّة الكُحل.
ولا شَبيهَ لَكِ
عندي بِهذا
الحُضورِ الطّاغي
بينْ الجميلات
بل إلى الآنَ..
أنْتِ الشّروقُ فِيّ.
َفي غابةِ أشْجاني
كالنّارِ تنْتَشِرينَ.
ومِن ظُلْمَةٍ لاح
لي نورك الحيي
فبدوت وكأنما..
أصابني مس
من هذا ال..
البهاء الكلي..
فارتعشت !



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.جمال أبو نحل

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب من روائع قلم نسمة الربيع

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.علاوي الشمري