مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم محمود السلطان


الرسام ...
............
لما تذكرت مجنونتي ...
نَصبتُ مِرسمي ...
وأطلقتُ العنانَ لبسمتي ...
وعَلَّقتُ على المِرسم ورقتي ...
وعدَّلتُ زاويةَ ريشتي ...
وأبرمتُ قلمي المتروك ...
وصَنَّفتُ ألواني ...
من الفاتحِ حتى المحروق ...
وجهزتُ نفسي ...
تجهيزاً غير مسبوق ...
لأستعيد عنفوان رسمي ...
كما أَلفتُ سابقاً نفسي ...
محاولاً رسمَ الملاك ...
وعند بدايتي ...
احتارت أناملي ...
واحتار قلمي معي ...
واحتار معي مرسمي ...
من أين سأبدأ لوحتي ... !
من سِحر الوجه الأسمر ...
أم من خجلِ الخدِ الأحمر ...
أهل أبدأ بالشقِ الأيمن ...
أم أنوي بدئي بالأيسر ...
هل أبدأ بالشَّعر البني ...
أم تلك اللَّمعة في الأعلى ...
يا قلمي الساكت كلِّمني ...
هل مزجُ اللون يناسبها ... ؟
أم فرز الدرجة يناسبني ...
كيف اللون سأمزجه ... ؟
وكيف اللون سيتكون ... !
إن كان البدء من الشعر ...
فكيف سأرسم أخبرني ... ؟
وهل للطائر أن يسكن ...
فالشعر الطائر لا يرسم ... !
حاولتُ الرَّسم ولكنِّي ...
أرسلتُ خيالي للعين ...
فكيف الرمش سأنقله ...
ورمش حبيبي يُشغِلُني ...
أراه يلتف قليلاً ...
فكيف اللَّف سأضبطه ... !
وعيني تتوه برؤيته ...
فكيف سأثُني لفته ...
وظِلّ الرمش على الخد ...
خيالي يُتقن صورته ...
وعقلي يدقق فتنته ...
والصورة عندي ألقاها ...
تُجسِّدُ سِحراً بالعين ...
وعيني تغمض ترصدها ...
وقلبي ينبض ذكراها ...
أم أبدأ تحديد العين ... !
أم لون المقل العسلية ...
ءأرسم حاجباً يعلوها ...
وكيف القوس سيتقوس ... !
وان كنت بدأت من الجفن ...
فتلك جفونٌ كحلية ... 
واللون الكحلي لا يقدر ...
تدريج الكحل إلى الكحلي ...
والدمع يجذبها لأسفل ...
لتكون لؤلؤةً ملحية ...
فكيف الدمع سأرسمه ... ؟
تَسدله العين الحورية ...
وكيف سيثبت بالمرسم ... !
ضَّمُ الرمش على المقل ...
فأخذت وقلمي والريشة ...
نحتار بترتيب الرسمة ...
واللون الأسود لا يجرؤ ... 
تحديد الوجه ولا ينفع ... !
واللون الأصفر لا يدري ...
كم معه لإبراز الوجه ...
واللون الأزرق يطلبني ...
لرسم سماءً بالصفحة ...
والصفحة أراها تتأرجح ...
تميلَ الميل وتنعدل ...
والقلم يحاول أن يخطو ...
والقبضةُ تمنع أن ينجو ...
والنسخة تجهز في ذهني ...
وبياض الصفحة يهزمني ...
أعددت الكرة للبدء ...
من رسم الأنف أو الأذن ...
فتوقف قلمي ينظر بي ...
واستنكف عني بلا إذني ...
ونطق ينادي هل ينفع ...؟
أن أرسم أنف أو أذن ...
يتساءل كيف سأبدؤها ...
بدون تحديد الوجه ...
حاولتُ أحاول بالخفة ...
تحديد حدوداً للشفة ...
فوقعت بفخ السرحان ...
ونسيتُ المرسم والورقة ...
فلما تعمقت التركيز ...
صاحَ القلمُ أَنْ استيقظ ...
فعدلتُ بسرعة عن التفكير ...
وعاد التعكير لفكري ...
فكَّرتُ البدء من الأسفل ...
فوجدت الفكرة لا تعقل ...
والورقة بالعين أراها ...
تستهزيء من عجزي وضعفي ...
والمرسم أشفق من تعبي ...
وقلة حيلتي بالرسمِ ...
فغضبت لوضعي ولعجزي ...
وركلت المرسم والورقة ...
وكتبت على حائط بيتي ...
رسام كنت وأعترفُ ...
قد كنت قديماً أحترفُ ...
واليوم لا جدوى من الرسم ...
ترتجف يداي من الشوق ...
والنَّبض عجيب في قلبي ...
نظرت إلى نفسي بنفسي ...
أنظر نظرات للعجزِ ...
لوحي والمرسم والورقة ...
والقلم ولوني والريشة ...
لا يعلموا أسرار الوصف ...
لملمت فضائح إخفاقي ...
وجمعت هزائم أوراقي ...
وجلست بعيداً ولوحدي ...
منعزلاً عن قلمي وورقي ...
أردد في نفسي وأحكي ...
قررت بألا أرسمها ...
أو حتى أفكر بالرسم ...
قررت بألا أطبعها ...
فطباعة قلمي لا تُجدي ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.جمال أبو نحل

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب من روائع قلم نسمة الربيع

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.علاوي الشمري