مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم منتهى العيادة



قصة قصيرة بعنوان( جسد بلا روح)
قد تكون حكايتي عادية كحكاية الكثير من النساء.
ولكن الاعتقال السياسي وخاصة إن كان من عدو اغتصب وطنك ارضك وحقك في العيش بكرامة قد يكون له ألم يطول علاجه.
وجبران يقول(احترس من ذكرياتك فالوجع يزورك مرة واحدة ولكن انت لن تتوقف عن زيارته).
وقد يكمن الالم في الاعتقال السياسي في ظروف الاعتقال وذكريات الزنزانات الباردة والموحشة والخالية إلا من الانفاس المتعبة الباردة التي لايشعر بها احد إلا صاحبها وقد تكون بثينة من اولئك. اللواتي عانين ماعانينه في المعتقلات وخرجن مرهقات تعبات من الحياة وكره لها بسبب الظروف التي عانينها في تلك الزنزانات الباردة والموحشة إلا من انفاسهن المتقطعة.
اوجاع من كل مايحيط بهن في سجون بني صهيون.
وبثينة من اولئك المعتقلات التي خرجت للحرية. واي حرية لأنها وجدت نفسها تعيش في سجن اكبر لكنها تستطيع التنفس والنوم براحة اكثر.
لاشيء تغير كل المبادئ التي آمنت بها ودافعت عنها وسجنت لاجلها نسفت وبإغماضة عين. دون إحساس بآلام من قضوا سنوات شبابهم في الزنزانات دفاعا عن تلك المبادئ المقدسة بنظرها.
ولكن فجاة تغير كل شيء بحياتها.
معقول ان تحب وان تعشق وان وان وهي في هذه المرحلة من العمر.
وأن تصيبها سهام( كيوبيد الإغريقي) إله الحب
كانت تلمح دوما صورا معلقة وشعارات لقلوب تحمل سهام لقلوب اتعبها الحب او اسعدها.
فكانت تسخر منها وتضحك.
ولكن فجأة هبط عليها ذاك الاله وكانه يقول لها لاتهزأي بي فانا موجود في كل لحظة واغزو جميع القلوب صغيرة ام كبيرة.
كانت ليلة مقمرة ليلة ولا كل الليالي وقد توسط القمر كبد السماء كسيدة عالية المقام تشع بهاء على من حولها.
وهي تجلس امام باب منزلها مع جيرانها الذين اعتادوا الجلوس ايام الصيف القائظ هربا من حرارة الجو داخل المنازل.
كل يوم يجلسون امام احد الدور بالتناوب يحضر كل واحد كرسيه من منزله ويحضر للسهر.
يتسامرون يضحكون يلعبون بعض الالعاب التي يتقنها الجميع(ورق ،برسيس)وغيرها من الالعاب.
لمحت أعينا متقدة تنظر إليها من بعيد كانت نظرات تشبه اعين ساحريريد ان يخترق ذاك الجسد وينتزعه من مكانه.
اقتربت تلك الأعين من الجالسين حول عتبة منزلها.
القى التحية
رحب به بعض الموجودين لكنها لم تعرف الضيف الجديد.
التقت نظراتهما لبرهة فاخفضت عينيها إما خجلا وقد يكون إحساس اخر لاتدري؟
عرفت من الموجودين ان اسمه اسعد بعد ان سالوه عن احواله وانه يقطن في حي أخر بجوار الحي الذي تقيم فيه.
كان يتكلم وهو يلوح بيده وكانه يشير إليها ان انظري إلي فانت محور حديثي.
تكلم اسعد بمواضيع مختلفة ثقافية ادبية اجتماعية عن المدينة وكل مايهتم به الناس عادة.
استمرت تلك السهرة إلى مابعد منتصف الليل حيث غادر الجميع إلى منازلهم.
غادرت بثينة وبقيت بعض النجوم العجوزة تراقب ماتبقى من العشاق الساهرين.
استلقت بثينة على سريرها وهي تفكر بذاك الغريب الذي كان ينظر إليها وهي تتنهد.
حاولت النوم فلم تستطع كان هناك شيء ما يجعل النوم يجافيها.
تفكر وتفكر بذاك الغريب الذي هفا قلبها إليه وتسارع بوجل وحذر.
ولكن لاتدري مانكهة ذاك الشعور اهو حب ام اعجاب بحديثه الذي سحرها.
لاتدري؟
صحيح ان بثينة عاشت حياتها كلها بعد خروجها من المعتقل تحلم بحب يمحوا بعضا من ذكريات العذاب الاليم.
أغلقت الابواب والنوافذ جميعها في وجهه التائه بين مئات السطور.
بسبب حرمانها من اجمل شيء تمتلكه كل السيدات وشكل لها عقدة نفسية وعذاب تتشربه كل يوم كمرارة نبات العلقم.
ولكن يبدو ان هذه المرة تسلل كالطيف كن شقوق الجدران والنوافذ وكل مكان.
إنها لاتستطيع سوى التفكير باسعد وحديثه.
ربما اسعد حضر في الوقت المناسب للمجيء.
ربما اتى في لحظة هي احوج ماتكون بحاجة ليد دافئة تمسح الضباب عن عينيها الذابلتين وتنتشلهما من الحانات التي كادت تحرق ماتبقى من انفاسها الممزقة وتزيل ماخلفته أيام المعتفل من غبار واي غبار.....
قبل ان تدفن تحت التراب ببضع عظيمات افسدتها خمرة السنين. وقليل من دم جاف.
كانت قد اصبحت كمحبرة عتيقة جف الحبر على حوافها البللورية.
أو ورقة بعثرها الزمن فلم تعد تصلح إلا للرمي في اقرب سلة مهملات.
لم تدري كم مر عليها من الوقت وهي تفكر ولكنها لم تشعر بنفسها ألا وقد اغلقت عينيها ورقدت كجثة هامدة على سريرها البارد الذي يشبه النعش.
لم تستيقظ إلا والشمس تداعب وجنتيها اللتين بدت عليهما أخاديد رفيعة من أثار السنين.
كانت ومنذ طفولتها وقبل ان تنتمي للمقاومة الفلسطينية تحلم بعالم يشوبه الحب ولطالما اعتقدت ان العالم نجوم متلألئة تجتمع في ليلة مقمرة.
وعندما تجتمع كل النجوم تنطفىء الشموع الذائبة في الإخلاص لتعزف سمفونية العشق الالهي.
كانت تتمنى ان تكبر بسرعة لتحقق كل احلامها.
وكأي طفلة كبرت كحبات كرز صغيرة وظنت لبرهة ان العالم كما تخيلته في احلامها.
إلا انها ايقنت بعد احتراقها في نار الاحتلال بان احلامها كانت اوهام ، واحلام يقظة.
مدينتها دمرت وأحرق اخر بيت فيها لكنها لم تحرق احلامها في مقاومة العدو.
بل عاهدت تلك الاحلام انها ستبني عالما اخر هو ذاك العالم المحروق لكن على ارض الواقع.
فتصلبت وقسيت ومع اناس يعيشون في هذا العالم المدفون تحت تعسف دعاة الحرية.
هكذا ضاع شبابها بين سعي دؤوب ومحطات استراحة داخل السجون.
إلا ان شعلة طموحها ظلت متقدة تقاوم في سبيل تحقيق النصر.
ولطالما تحطمت اشرعة سفنها ولكنها لم تأبه وكانت تصنع أشرعة جديدة.
كانت شغوفة جدا لتحقيق مايسمى بالمستحيل التي كانت تراه يقترب ويقترب مع انها كانت تفكر بكلام الناس احيانا بانه بعيد ومحال.
جدران السجون كانت تفتقدها عندما تتأخر على غير العادة لتسأل عنها واين وصلت في طريقها الشائك الطويل والممتد إلا مالانهاية.
كانت تقنع نفسها بتحقيقه وتردد دوما انهم عندما يضعونني في السجن فهم يعترفون دون ان يدروابتقدمي خطوة إلى الامام.
وهي إن نسيت فلن تنسى السعادة الحقيقية التي غمرتها عندما حققت اول إنجاز في حياتها داخل المقاومة.واعتبرته أهم واروع أنجاز في تاريخ البشرية بااعتقادها هي عندما استطاعت إقناع أعز شخص على قلبها بأفكارها والانتماء للمقاومة.
وتوجت تلك السعادة بسعادة اكبر عندما انتمى للمقاومة.
والان بعد ان دارت عجلة القدر واقتربت السفن من ميناء العمر او ميناء السفن الحربية كما تسمي حياتها دوما.
انه مازال هناك شيء واحد يثلج قلبها يوميا انها مازالت امينة وهي في هذا العمر على احلامها في سن العشرين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.جمال أبو نحل

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب من روائع قلم نسمة الربيع

مجلة اتحاد الكتاب والادباء العرب بقلم د.علاوي الشمري